في مراكش لا يمكنك أن تقاوم شعورا غريبا، قد تبدو معه كمن يشرب الدم في عشق حبيبته ملحا. كلما اقترب منها وأحبها ازداد عطشه وتعطشه إليها.
ليس شرطا أن تكون مغربيا لتعشق مراكش. قد تكون عربيا وقد تكون غربيا أو حتى من أقصى الشرق. في مراكش، وعلى عكس الكثيرين، سواء كانوا من بين ساكني المدينة أو من بين زوارها من المغاربة والعرب، يبدو سياح المدينة الحمراء، القادمون من مدن الثلج والبرد القارس، وكأنهم يسابقون الزمن للتمتع بشمسها.
السياح يعشقون الشمس، والشمس تعشق مراكش، ولذلك فهي تفضل أن تقضي معظم العام متسمرة فوق سطح المدينة.
من لا يعرف علم تشريح أسطح المدن في بلداننا الدافئة، عليه أن يسأل نساءنا اللواتي كن يجدن فوقها، في ما مضى، متنفسا في اتجاه السماء، بعد أن تضيق بهن الأرض، على رحابتها.
اليوم، ضاقت الأسطح على النساء فهبط الجمال إلى الأرض يتهادى عبر أسواق وشوارع المدن.
في مراكش، الجميلات يحملهن الغروب عبر شوارع وأسواق المدينة، كما لو أنهن خرجن لتوهن من إحدى «حكايات» الف ليلة ولية.
مراكشياتٌ، فاتنات ما زلن يصنعن بالجلابيب البلدية الغوايات القصوى.
في مراكش، كلما سكنت الشمس في سماء المدينة حل السواح بالمدينة أكثر، واستمتعوا أكثر.
شمس مراكش هي مطر مراكش. مع الشمس يأتي الخير وتنشط السياحة.
أن يتكهرب الجو وتهطل الأمطار وتختفي الشمس من السماء، يبقى أسوأ ما يمكن أن يعكر مزاج السائح في مراكش... لكن هناك سواح الشرق و الخليج من يعشقون المطر و السحاب ... كل من نصيب من جمال مراكش...
في النهار، الذي يلي شهر فبراير، يمكن للتجول أن يخدعك، بحيث تصادف كثيرا من السياح وهم في نصف لباس يتمشون عبر الأزقة والشوارع. الدليل السياحي في كف، بينما الكف الثانية تساير العينين المتطلعتين إلى فوق، حيث الشمس دافئة والزرقة فاتنة.
في مراكش، يقضي السائح معظم نهاره متوجها بجسده وعينيه النصف أو الربع مفتوحتين نحو السماء والشمس.
وهكذا، وفيما يتجول السائح فرحا بنعيم الشمس، كما لو أنه اكتشف كنزا، يقتل المغربي (وحتى العربي) نهاره في حديث لا ينتهي عن أحوال الطقس والتذمر من ارتفاع درجات الحرارة.
المغاربة، والعرب عموما، غريبو الأطوار مع أحوال الطقس. خلال فصل الشتاء، حين يهجم البرد، يَحنُّون إلى شمس الصيف اللافحة. خلال فصل الصيف، حين تشتد الحرارة، يكثرون من شراء المكيفات الكورية أو الصينية الصنع، أو يهربون إلى ظلال الحدائق ومياه الشواطئ، فيما يتمنون لو أن برد فصل الشتاء حل قبل الأوان.
سكان مراكش وزوارها من المغاربة والعرب خزَّنوا، على امتداد السنوات، ما يكفي من الحرارة والسمرة، لذلك يهربون من الشمس إلى المنازل والمقاهي، في انتظار ليل يبشر بسحره.
سياحُ مراكش، القادمون من فرنسا أو إسبانيا أو الدنمارك أو ألمانيا أو استراليا أو غيرها من دول الثلج والبرد، يكتفون في النهار بالتجول راجلين. يعجبهم منظر الشمس وهي تقترب من الرؤوس. لذلك يقتلون نهاراتهم المراكشية في التجول والتسوق.
خلال النهار، حين يشتد الحر، يمكن أن ينتابك إحساس بأن الشمس ربما تكون نزلت من سمائها وسارت تتمشى بين الناس عبر الأزقة والشوارع.
سحر جامع الفنا وعوالم النخيل والمامونية: ليل مراكش ليس كنهارها. النهار قانع ببياضه، تستريح من خلاله المدينة في انتظار ليل يحتفي بأضوائه وناسه.
إذا جرك ليل مراكش إلى طيباته، فلن تقنع بليلة واحدة، ولا حتى بسبع ليال. الليل ساحر ويغري بالسهر.
على غير عادة مدن أخرى، تبدو مراكش مدينة أمن وأمان. التجول ليلا، وحتى الساعات الأولى من الصباح، ربما، صار ميزة مراكشية.
في الليل، هناك سياح يفضلون العودة إلى الفنادق، حيث يتحلقون في الصالونات حول براد شاي، فيما يسترجعون حكايات النهار مع المواقع الأثرية التي زاروها، أو البازارات التي قصدوها، أو المطاعم التي تناولوا فيها وجبة الغذاء.
من السياح من يفضل الاستمتاع بليل مراكش بعيدا عن غرف وصالونات الفنادق. منهم من يفضل جامع الفنا ساحة للتجول والفرجة، ومنهم من يقصد فضاءات أخرى.
منذ مدة صارت مراكش وجهة مفضلة لكثير من السياح عبر العالم، بعد أن صارت سمعتها تسبقها إلى مختلف اللغات والجغرافيات.
يحلُّ بالمدينة نجوم من عوالم الرياضة والسينما والموضة والاقتصاد والتجارة. شون كونيري. ألن ديلون. براد بيت. أنجلينا جولي. نيكول كيدمان. زين الدين زيدان. ديفيد بيكام. ناعومي كامبل. إيف سان لوران، وآخرون ممن تنفتح أمامهم عوالم البالموري (النخيل) والمامونية. سياحٌ من عالم باذخ. منهم من يفضلها جولة خاطفة. منهم من يصاب بحب الاستقرار الدائم، بعد اقتناء دار عتيقة وإصلاحها، وربما تحويلها إلى دار ضيافة.
سياحُ مراكش ليسوا كلهم ممن تنفتح أمامهم عوالم البالموري والمامونية.
سياح مراكش ليسوا كلهم أغنياء.: سياح مراكش أنواع: هناك الأغنياء، وهناك الآخرون. الآخرون تعريف وتصنيف يمكن أن نجمع تحته السائح المتوسط الحال أو السائح الذي يضع قرطا في أذنه ويلبس جينزا، معطيا الانطباع بأنه نسخة معدلة عن شباب السبعينيات.
لكن سياح مراكش، أغنياء أكانوا، متوسطي الحال، أو حتى فقراء، ينتهون إلى عشق المدينة الحمراء. هم يشعرون، هنا، بدفء مفتقد، إذ تتمدد أعضاؤهم، التي أعياها برد الشمال وصقيعه.
مع سياح مراكش، لا تبدو المظاهر خادعة، في كثير من الأحيان. السائح الغني يلوح لك من أقصى الشارع. الكاميرا كورية أو يابانية الصنع تتصيد ما يؤثث للأمكنة. الزوجة والصاحبة بوجه كالقشدة وشعر يلهث في الخلف. اللباس الباذخ الموقَّع من أرقى الماركات. العطر القاتل الذي يدغدغ الأنف ويهز المشاعر.
معظم هؤلاء يقصدون أرقى الفنادق. يقضون الساعات في العوم في المسا بح، أو في حديث صامت، أو في قراءة كتاب للأمبرطو إيكو أو غيره. آخرون يفضلون الروايات البوليسية أو متابعة أخبار العالم عبر صحف ومجلات بلدانهم.
الغربيون، على اختلاف طبقاتهم وأعمارهم يعشقون القراءة. لكن الأغنياء منهم، يتكلمون قليلا ويخالطون الناس قليلا، حتى أن منهم من قد يعطيك الانطباع بأنه هنا ... فقط ... لأنه هنا.
أيام الشمس والليل الساحر: لمراكش أكثر من متعة. مراكش المتعددة في فضاءاتها والرائعة بسحرها. قد تقضي فيها عمرا من دون أن تتعرف على كل عوالمها. إنها قادرة على مدك بشعور غريب، في مراكش، يعرف السائح أن أيام الشمس والليل الساحر معدودة أمامه، لذلك يصر على الذهاب مع يوم مراكش إلى أقصى غاياته.
مراكش، هي المدينة التي تسكنها فتسكنك. التي تقصدها فتتجدد فيك الرغبة لمعاودة الزيارة في أقرب فرصة.
منقووووووووووول
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق