الثلاثاء، 30 أكتوبر 2012

أفكار ونظريات الدكتور المهدي المنجرة

إن أفكار ونظريات الدكتور المهدي المنجرة جالت العالم اعتبارا لمداها البعيد وشموليتها، وهما ميزتان أكدتهما الأحداث الدولية ولازالت تؤكدهما. والدليل على هذا الطلبات الكثيرة والدعوات العديدة التي يتوصل بها الدكتور من كل أرجاء العالم شماله وجنوبه، غربه وشرقه، من أجل إلقاء المحاضرات أو المساهمة في اللقاءات أو الإدلاء باستشارات أو السهر على إدارة أبحاث ودراسات.



ـ من هو ؟
الدكتور المهدي المنجرة من مواليد 1933 بالرباط، تلقى دراسته الجامعية بالولايات المتحدة بجامعة " كورنيل". وبعد حصوله على الإجازة في البيولوجية والعلوم السياسية، تابع دراسته العليا بإنجلترا وحصل هناك على الدكتوراه في الاقتصاد بجامعة لندن.

وكان من الأساتذة المغاربة الأوائل الذين قاموا بالتدريس بجامعة محمد الخامس بالرباط سنة 1958. وتقلد عدة مناصب سواء على الصعيد الوطني أو الدولي وساهم في إحداث الفيدرالية الدولية للدراسات المستقبلية وأسس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان. هذا علاوة على عضويته في جملة من المؤسسات ذات الصيت العالمي من ضمنها أكاديمية المملكة المغربية والأكاديمية الإفريقية للعلوم والأكاديمية الدولية للفنون والآداب. له عدة كتابات في مختلف مجالات العلوم الإنسانية والاجتماعية، أكثر من 600 مقال وعدة مؤلفات، ولا زال قلمه سيالا ينتج باستمرار وعلى الدوام.

وحصل الدكتور المهدي المنجرة على عدة جوائز، من ضمنها جائزة الحياة الاقتصادية سنة 1981 والميدالية الكبرى للأكاديمية الفرنسية للمعمار سنة 1984 وقلادة الفنون والآداب بفرنسا سنة 1985 وقلادة الشمس الشارقة باليابان سنة 1986 وميدالية السلام من الأكاديمية العالمية لألبير اينشتاين وجائزة الفيدرالية الدولية للدراسات المستقبلية سنة 1991.

لقد جال الدكتور المهدي المنجرة العالم كله، غربه وشرقه، شماله وجنوبه. وأشرف على عدة أبحاث من ضمنها إشرافه بطوكيو سنة 1998 على فريق بحث عالمي يضم 15 عالما التعددية الثقافية وآثارها المستقبلية على الهجرة.
الدكتور المهدي المنجرة جال كثيرا بدهاليز المنظمات الدولية وخبر خباياها، كما بلغ بداخلها أسمى المناصب وندد بمواقعها في قضايا الحاضر والمستقبل، وهذا ما حتم عليه مشروعه العلمي والفكري الواسع على الانسحاب منها. لاسيما وأنها منظمات انحازت في واضحة النهار للدول الكبرى وتعاطفت معها تعاطفا صارخا على حساب بقية العالم بعد أن انصهرت في نموذج الفكر الواحد دون اعتبار حق الاختلاف وتمييز القيم، إلى درجة عدم الاعتراف للشعوب بحقها في التنمية. كيف لا والدكتور المهدي المنجرة أعلن الحرب الضروس منذ فجر شبابه على " الفكر الواحد" الذي لا يعترف بحقيقة واضحة للعيان: ضرورة وإلزامية وجود الاختلاف ؟ كيف لا والدكتور المهدي المنجرة كرس حياته وما زال للدفاع عن الحق في الاختلاف كقيمة حضارية لا مندوحة عنها كيف ما كانت الأحوال ؟ كيف لا والدكتور المهدي المنجرة كان ولا زال مجبولا ع! لى الصدق في المواقف والجرأة في التعبير والمواجهة الفكرية.


اللقاء مع محمد بن عبد الكريم الخطابي.
في سنة 1954 سافر الدكتور المهدي المنجرة إلى لندن لتحضير الدكتوراه حول الجامعة العربية. وفي السنة الموالية 1955 حصل على منحة من مؤسسة روكفلر مكنته من السفر إلى مصر للالتقاء ببعض المسؤولين في الجامعة العربية، وهناك التقى بزعيم حرب الريف المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي وشقيقه امحمد.

اللقاء مع محمد الخامس:

وعندما كان الدكتور المهدي المنجرة بلندن كان واحدا من الطلبة المغاربة الذين استقبلهم الراحل محمد الخامس بباريس في طريق عودته من المنفى إلى أرض الوطن، وكان هذا قبيل الاستقلال. وبعده، في سنة 1959 استقبل الملك محمد الخامس الدكتور المهدي كأول أستاذ مغربي في كلية الحقوق بالرباط وأصغر الأساتذة بها سنا وعينه مديرا للإذاعة والتلفزة المغربية خلفا لقاسم الزهيري.


في أمريكا:
حادثة غريبة كانت وراء التحاقه بالديار الأمريكية في نهاية أربعينات القرن الماضي لمتبعة دراسته إنها واقعة حدثت للمهدي المنجرة الشاب سنة 1948، وكانت فاصلا في مسار حياته وشخصيته.

كان آنذاك بمدينة إفران، بينما كان في المسبح اقترب كلب الفرنسيين وأجابه آخر قائلا: إذا كان هناك عرب يسبحون، فلم يمنع ذلك على الكلاب. ولم يتمالك المهدي المهدي المنجرة نفسه فانقض على ذلك الرجل ولكمه. وكان رئيس الأمن الإقليمي لمدينة إفران واقتيد المهدي إلى مخفر الشرطة حيث قضى بعض الأيام رهن الاحتجاز. وهذا ما أقنع والده بضرورة إرساله إلى أمريكا لمتابعة دراسته.

وهناك بأمريكا أسس الدكتور المهدي المنجرة النادي العربي وعمل مديرا للمجلس الدولي للطلبة. كما كان أحد مؤسسي جمعية المسلمين والنادي الشرقي وعضوا في جمعية " من أجل عالم جديد ".

وهو بأمريكا نشبت الحرب مع كوريا سنة 1954، طلب منه، باعتباره يتوفر على البطاقة الخضراء، التجنيد إلا أنه رفض.



الهجرة إلى اليابان
كانت النقطة التي أفاضت الكأس وهيئت جميع الشروط والظروف لهجرة الدكتور المهدي المنجرة إلى اليابان، منعه بإلقاء محاضرة بجامعة فاس. ومهما يكن من أمر فإن الدكتور هجر قسرا باعتبار ما بينه وبين بلاده من حب وتعلق، وما بينه وبين الجامعة المغربية عموما من علاقة حميمة. ألم يكن الدكتور المهدي من أوائل المغاربة ومن أصغر الأساتذة سنا من التحقوا بها سواء للتدريس أو التأطير أو البحث؟ ألم يفن عمره دفاعا عن كرامة وحرمة الجامعة واستقلاليتها؟

وتظل للدكتور المهدي المنجرة مكانته وهيبته الفكرية والعلمية. كيف لا وهو الذي تعددت مصادر الإلهام لديه. إنه في الحقيقة، كما يقول الأستاذ يحيى اليحياوي، لم يعد شخصا ذاتيا عاديا، بقدر ما هو مؤسسة علمية لها أتباع عبر العالم، لها صداها العالمي الواسع ولها جائزتها، جائزة التواصل الحضاري شمال ـ جنوب.

ويرى " بونصولي " في الدكتور المهدي المنجرة المثقف العالمي، الجامعي والمؤلف الواسع الآفاق.

لقد كرس الدكتور المهدي المنجرة حياته للدفاع عن الحق في الاختلاف كقيمة، لاسيما وهو الرجل الذي اندغمت بداخله صلابة وقوة المبدأ وانصهرت في صلبه الجرأة في التعبير والصدق والنزاهة في الموقف مهما كان الأمر ومهما كانت العواقب.

ويظل الدكتور المهدي أحد المراجع العربية والدولية في مختلف قضايا السياسة والعلاقات الدولية والدراسات المستقبلية.


ـ المستقبليات:
يقول الدكتور المهدي المنجرة أن المستقبليات ليست تنبؤ، لأنه لا وجود للتنبؤ عند البشر. والتنبؤ كان لخاتم الرسل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

وإنما يقوم الإنسان بمعاينة وتتبع ودراسة تيارات الذات وتوجهات الأحداث ويحاول النظر في مداها البعيد وإلى حيث هي سائرة. وذلك مثل رؤية المرء لموجة البحر في بدايتها ويظل يتبعها على بعد 300 أو 500 متر أو 1000 متر، وينظر إلى ماذا ستحمل معها. إلا أن السياسي يهتم دوما بالآني. ففي الصباح يفكر في هل سيظل وزيرا أو مسؤولا أو في مكانه حينما يحل به في المساء.

للوقوف على معنى الرؤية المستقبلية يمكن الاستعانة بما كان يسميه الرسول صلى الله عليه وسلم بالاستبصار. والاستبصار في اللغة العربية هي الطريقة التي نرى بها الأمور. وكان النبي صلى الله عله وسلم يستبصر كل صباح وهذا نوع من الديناميكية. وفي هذا الصدد يقول الدكتور المهدي المنجرة أن المستقبلي غير الجيد لا يفكر إلا في المدة التي سيعيشها لأنه لا يهمه ماذا سيقع بعده، أما المستقبلي الجيد هو الذي يفكر على مدى هو على يقين تام أنه سوف لن يراه ويعاينه ولن يكون فيه على قيد الحياة، وبذلك فإن مصالحه الخاصة لم تعد مرتبطة بآرائه، بل تكون حرة ومتحررة من أية مصلحة كيفما كانت.

ـ إشكالية الدكتور المهدي المنجرة.

إن الدكتور المهدي المنجرة يهتم بأزمة مصيرية وهي إلى أين نسير ؟ إنها أزمة تؤلمه ، لاسيما وهو يعاين غياب رؤية مستقبلية لدى القائمين على الأمور بالمغرب . وقد سبق للدكتور أن قال أكثر من مرة:" أتحدى أي شخص يعطيني رؤية شاملة حول مستقبل المغرب، للأسف الكل مشغول بالآنية وما يسمى بالانتقال، وأنا أتساءل الانتقال إلى أين ؟"
حقا، لقد صدق الدكتور المهدي، لأنه لكي ننتقل يجب أن نعرف من أين أتينا وإلى أين نحن سائرون.

ويزيد الطين بلة بملاحظة صمت المؤرخين التابعين للمخزن وانكبابهم فقط على تاريخ القرون الوسطى، متناسين الحاضر وغافلين كليا عن المستقبل. أما اقتصاديو المغرب فهم يبجلون الوثيقة الأمريكية حول مغرب 2005 ومخطط البنك الدولي حول مغرب 2010.

وبذلك يخلص المهدي المنجرة إلى كون أن تاريخ المغرب مرتبط بالاستعمار وماضيه ليس بأيدي أبنائه، والتأريخ له هو مخزني بامتياز، أما حاضر المغرب فهو بيد غير المغاربة ولا يتحكمون فيه، أما مستقبل المغرب فهو محدد من طرف الغير وفي إرشادات وتوصيات تبلور خارج المغرب ومن طرف غير المغاربة.

ـ في العولمة:
يعتبر الدكتور المهدي المنجرة من مناهضي العولمة الكبار، ليس لأنها تجسد وتكرس أشكالا جديدة من الاستعمار ومنطق الفكر الواحد والوحيد. ولكن أيضا لأنها سبيل من سبل إقصاء وتهميش الدول والشعوب والثقافات الأخرى ما دامت هي قائمة بالأساس على اغتيال الحق في الاختلاف والحق في التميز، وبذلك تقتل الحوار والتواصل كقيمة جوهرية.

العولمة بالنسبة للدكتور المهدي المنجرة هي الأمركة، وهي مرتبطة بالأخلاق قبل ارتباطها بالاقتصاد.

فالحضارات اليهودية ـ المسيحية ترمي من وراء العولمة فرض قيمها ونمط حياتها على الحضارات غير اليهودية ـ المسيحية.و بذلك تكون هذه العولمة من سلالة الاستعمار ومن جنس الإرهاب.

إنها تسعى إلى شل أدنى حركة تفكير لدى الشعوب وبالتالي جعلهم يفكرون بمنطق الغرب ويتبعون نمطه في الحياة.

لكن ما هو البديل لمواجهة العولمة بالنسبة للعرب والمسلمين ؟ بالنسبة للدكتور المهدي المنجرة تكمن هذه المواجهة عبر الاستفادة من التجربة اليابانية التي انطلقت من أربع محاور:
1 ـ الارتباط والانطلاق من القيم اليابانية.
2 ـ محو الأمية.
3 ـ النهوض باللغة اليابانية.
4 ـ دعم البحث العلمي.
علما أن مسألة المجابهة في نظر الدكتور المهدي المنجرة تبقى مسألة إرادة بالدرجة الأولى، إرادة الوجود والفعل والمجابهة أو إرادة الوضوح والانصياع والعيش عالة على مستجدات العولمة.


ـ في الفقر:

حسب الدكتور المهدي المنجرة، إن الشيء الوحيد الذي له مستقبل في هذا العالم هو الفقر. فهناك أكثر من 3 مليار نسمة لا يصل دخلهم اليومي إلى دولارين اثنين.

ومنذ 30 عاما خلت كان الفرق بين الشمال والجنوب من 1 إلى 10 فيما يخص الدخل، أما اليوم فهو من 1 إلى 20.

وفي المغرب فإن الفرق بين 10 % من أصحاب أكبر دخل و 50 أو 60 % من ذوي أضعف دخل كان من 1 إلى 15 أما الآن فه من 1 إلى 80. ومعنى هذا أن توزيع الثروات يتم بكيفية تؤدي إلى المزيد من التفقير، أي بزيادة الأغنياء غنى وزيادة الفقراء فقرا.

ـ في الخوف والخوفقراطية:
يعتبر الدكتور المهدي المنجرة أن هناك نوع رهيب من الخوف يسود العالم، وهذا ما نعته بالخوفقراطية التي ما زالت قائمة ما دام الإنسان لم يتفوق بعد على هذا الخوف.
والخوفقراطية هاته بادية بجلاء حتى التعامل مع الانتفاضة الفلسطينية لاسيما فيما يخص العرب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق