السبت، 15 ديسمبر 2012

اتاي المغربي شاي و أدب و تقاليد

اتاي المغربي تقاليد 13424742241.gif

اتاي المغربي تقاليد 13424722692.jpg

الشاي الأخضر -أو “الأتاي” كما يحب جل المغاربة أن يسموه فيما بينهم- له مكانة خاصة، ليس فقط في موائد الأكل، وإنما أيضا في دواوين الشعراء والأدباء، الذين أفرد كثير منهم لهذا المشروب العجيب قصائد شعرية وزجلا ومتونا لم تترك صغيرة ولا كبيرة عنه إلا وأبرزتها، وهذه جولة في أهم ما قيل عن الشاي المغربي كما فصلته دراسة للأستاذ عبد الحق المريني بعنوان “الشاي في الأدب المغربي”

ويورد عبد الحق المريني اتفاق جل المؤرخين على أن المغرب “عرف الشاي في القرن الثامن عشر، وبدأ انتشاره عبر المغرب في منتصف القرن التاسع عشر لما صار المغرب يتعاطى التجارة مع أوربا”. وهكذا يبدو أن دخول الشاي إلى المغرب كان في عصر السلطان المولى إسماعيل حيث تلقى أبو النصر إسماعيل “أكياسا من السكر والشاي ضمن مجموع الهدايا المقدمة من قبل المبعوثين الأوربيين للسلطان العلوي”

ويضيف: “واحتل الشاي منذ بداية القرن العشرين مكانة متميزة في وسط الأسرة المغربية، وأصبح له طقوس وعادات، وظهرت في وسط الصناع حرفة جديدة أبدع أصحابها في صنع أدوات تحضير الشاي من: صينية، وبراد، وإبريق، وبابور، وربايع… والتصق الشاي بحياة الشعب المغربي وفرضت جلساته حضورها الدائم في وسط مختلف طبقاتهم، وقد تغنى بهذه الجلسات الشعراء والناظمون والزجالون”.


اتاي المغربي تقاليد 13424726448.jpg



الشاي في الأدب المغربي

لقد تميز الأدباء المغاربة بنظم الأراجيز والمتون النثرية والمنظومة في مختلف الفنون والعلوم، ولعل الرغبة في تسهيل عملية الحفظ والمذاكرة للطلبة أهم دوافع ذلك، إضافة إلي حفظ الذاكرة التراثية. ويعد الشاي المغربي موضوعا استفاضت فيه عدة متون لعل أبرزها أرجوزة الأديب الفاسي والشاعر المغمور “عبد السلام الأزموري” بعنوان “الرائقة العذبة المستملحة الفائقة” التي يحكي فيها عن طرق تهيئ الشاي المغربي ولوازمه وأفضل مجالسه وأوقاته وغيره..

وقد قام بشرح هذه الأرجوزة العلامة سيدي المكي البطاوري تحت عنوان “شرح الأرجوزة الفائقة المستعذبة الرائقة فيما يحتاج الأتاي إليه ويتوقف شربه وإقامته عليه” هذه الأخيرة أيضا لا تخلو من نوادر طريفة وأخبار أدبية وفوائد تاريخية.


اتاي المغربي تقاليد 13424726446.jpg

ويستهل سيدي البطاوري الأرجوزة بقوله:

الحمد لله الذي أطعمنا *** من كل مطعوم به أكرمنا

وبعد أن حمد الله مرة ثانية على نعمة الماء الصافي “كالغمم الصيب” استطرد قائلا:

مثل الأتاي “اللندريزي” الجيد *** صفرته مثل مذاب العجسد

إشارة منه إلى مصدره وهي العاصمة البريطانية لندن التي كان يسميها المغاربة آنذاك “لندريز” .

اشرب الشاي .. يتطاير الهم والسقم

ثم تعرض البطاوري لذكر منافع الشاي عند شربه كتطاير الهم عن النفس وانشراح الصدر وجلب الفرح والسرور:

إن صب في كاساته مذهبة *** على صفا صينية ملتهبة

تطاير الهم لديها وانشرح *** صدر الذي يشربه من الفرح
وقد قدم الشاعر سليمان الحوات الشفشاوني في بضعة أبيات شعرية نصيحة “الإدمان على الشاي” لما فيه من المنافع الصحية لكل سقم من الإسقام منها:

وكونوا عليه مدمنين لأنه *** شفاء النفوس إن عراها سقام

إلى أن يقول:

ويكسو الوجوه حمرة في نعومة *** كأن بها وردا سقاه غمام

ويبطئ للإنزال في الوطء باعثا *** على لذة هي المُنى والمرام


اتاي المغربي تقاليد 13424722697.jpg


مجلس شراب الأتاي

تحدث الناظم أيضا عن عدد الأحبة الذين يستحسن وجودهم في مجلس شراب الأتاي، وذكر أن المطلوب هو التقليل وما زاد عنه فهو غير نافع:

وذا إلى ثلاثة أو أربع *** من الأحبة وما زاد ادفع

لأن الكثرة تذهب رونق الجلسة وتعكر صفوها. ولكن إذا كان “الزائد” مطربا ومغنيا يشنف أسماع الشاربين بصوته العذب وبنغمات عوده، أو كان “مُقيما” ومهيئا للأتاي وهو ذو عذوبة وملاحة ووجه حسن، فذلك هو تمام الأرب ونهاية الاستحسان وقد صادفت الزيادة محلها:

ما لم يكن مغنيا أو مطربا *** أو ذا ملاحة يرى محببا

فهو الذي يقيمه ويحسنه *** وكلنا من يده نستحسنه



اتاي المغربي تقاليد 13424722694.jpg



قبل الطعام وبعده

إذا كان ناظمنا ترك لشارب الشاي الحرية في اختيار وقت شربه قبل الطعام وبعده، بقوله:

خذه فدتك النفس من قبل الطعام *** أو بعده فما عليك من ملام

فإن الشاعر سليمان الحوات الشفشاوني رجح تقديم شرب الأتاي على “طيبات الأقوات”:

وكونه قبل الطعام يحتمل *** وهو الشهير وبه جرى العمل

أما إذ كان الطعام كسكسا فشربه بعده يعد إساءة ما بعدها إساءة أجمعوا عليها كلهم:

إلا إذا كن الطعام كسكسا *** فكل من أخره فقد أسا

وقد أجاز الناظم شرب الأتاي على خلاء المعدة قبل الشروع في تناول الطعام:

وشربه على خلاء المعدة *** جاز على شرط حضور مائدة

تأكل منها لقمة أو لقمتين *** من قبل أن تشرب منه حلقتين

في الصبوح والغبوق

أما وقت شرب الأتاي فقد حدده الناظم بقوله:

ووقته وقت سرور وانبساط *** وحيثما دعا لشربه النشاط

ووقت الصباح عندهم مستحسن *** لكنه بعد العشاء أحسن

مشيرا بذلك إلى الصبوح، أي فترة الصباح، وإلى الغبوق، أي فترة العشي، وهو المفضل عندهم.


اتاي المغربي تقاليد 13424722708.jpg



وقد وضح الناظم وجه أحسنيته لشرب الشاي بعد العشاء بقوله:

تأمن فيه مع غلق الباب *** وسدل ما يستر من حجاب

والأمن من كل ثقيل يدخل *** أو خبر على النفوس يثقل

ولكن:

إذا حل الثقيل بأرض قوم *** فما للساكنين سوى الرحيل

ويعني الناظم بـ”الثقيل” ما يسمى بالطفيلي، ويدعى الطفيلي على مجالس الشراب في الأدب العربي بـ “الواغل” وعلى مجالس الطعام بـ “الوارش” .


اتاي المغربي تقاليد 13424726445.jpg

الشموع والنظافة في مجلس الأتاي

إذا كان شرب الشاي بعد العشاء فلا بد له من إضاءة الشموع الموضوعة على الحسك النحاسية. يقول الناظم:

واختر له من الشموع الأبيضا *** كألسن الأفعى إذا تلضلضا

على قوام حسك “التنباك” *** من فوقها طول الدياجي باك

كما أن الناظم لا يبيح أن يعقد مجلس شراب الأتاي في ضوء القناديل “الوسخة” ؛ إذ النظافة شرط أساسي بالنسبة لأداء الإضاءة والساقي وكؤوس الشراب:

ولا أرى الأتاي بالقنديل *** والزيت والمنخاس والمنديل

إذ كل أمره على النظافة *** قد انبنى وشرطه اللطافة

لاسيما الساقي الذي يناوله *** كذلك الكأس الذي نستعمله


اتاي المغربي تقاليد 13424726443.jpg


الشاي والشواء والحلويات



من فوائد الشاي كما يسرد ذلك الدكتور عبد الحق المريني في دراسته على أرجوزة الناظم عبد السلام الأزموري :

وشربه على الشواء والكباب *** يفتح للشهوة منه ألف باب

ويستحسن الشاعر شربه على أنواع من الأطعمة المغربية دون أن يذكر علله في ذلك:

وشربه على اللحوم جيد *** لكنه على الدجاج أجود

وشربه على رؤوس الظأن *** مشوية شأن وأي شأن

وشربه على الكفوت المعجبة *** أحبب به من مشتهى ما أطيبه

وشربه على الرغائف التي *** بالزبد والعسل قد أعملت

أحسن شيء نلته صباحا *** وإن تداومه تنل صلاحا

وغالبا ما يرافق شرب الشاي تناول “الحلويات المغربية” التي عددها الناظم في قوله:

اتاي المغربي تقاليد 13424726449.jpg

وشاع بـ”الكعب الغزالي” وما *** أشبهه في سلكه قد نظما

كالكعك و”الغريبة” المكرمة *** محشوة طيبة منعمة

وجوزوا “البشكوت” وهو صوره *** كذا “القراشيل” لدى الضرورة


اتاي المغربي تقاليد 134247264410.jpg

كيف يقدم الشاي؟

يخلص الناظم في الأخير إلى الحديث عن الأواني التي تستعمل في تهيئ الأتاي من قبيل : البابور (السماور) والبقراج والبراد والصينية والكؤوس..

يختار للأتاي بابور غدا *** بلونه الأصفر يحكي العجسدا

ورجح البقراج عنه إلا *** لعدم من يأتي به وإلا

إذ المقام يقتضي البابورا *** كأن ترد أن ترخي الستورا

وقد رجح المقراج على البابور لأسباب أتى بها:

واختير للبقراج ما يحمله *** من مجمر الصفر يكون مثله

ذا أرجل غدا عليها واقفا *** فيه من الماء الزلال ما كفى

ولا تثق بصوته إذا غلا *** حتى ترى البخار للجو علا

ثم ختم الناظم واصفا هيئة الصينية المخصصة للشاي:

وانتخب الصينية السنية *** من الكؤوس قد غدت ملية

وقد جرى العمل في الكؤوس *** بان تكون عدد الرؤوس

برادها كأنه شيخ غدا *** يملي على الكؤوس منه سندا

وإن يك المدير قد حاز الجمال *** في خلقه وخلقه فهو الكمال

اتاي المغربي تقاليد 13424722696.jpg

اتاي المغربي تقاليد 13424726432.jpg


اتاي المغربي تقاليد 13424726431.jpg

اتاي المغربي تقاليد 13424742242.gif

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق