الخميس، 22 نوفمبر 2012

رقصة الكدرة,رقصة الهرمة

رقصة الكدرة

تنتشر رقصة الكدرة بين سكان منطقة واسعة، تمتد من الحمادة شرقا عبر أقاليم درعة وزمور إلى الساقية الحمراء. إلا أن صيتها ارتبط بمنطقة وادي نون. ورقصة الكدرة هي رقصة شعبية قديمة، ارتبط اسمها بالقدر المصنوع من الطين الذي تم إقفاله بجلد الماعز المذبوح لتوه. وذلك بجعل الشعر إلى الأسفل والجانب الأملس إلى الأعلى ثم يعرض لأشعة الشمس قصد تجفيفه، بعد أن يتم إحكامه في فم القدر جيدا. ثم يؤخذ مغزلان خشبيان لضرب الجلد في موقع القدر وفق إيقاع خاص وأغنيات خاصة.

إن رقصة الكدرة في الواقع عبارة عن مسرحية مرتجلة، يقوم بتمثيلها الشباب الذكور خاصة. بحيث يقوم أمهرهم في معرفة الإيقاع بالضرب على القدر بواسطة قضيبين خشبيين، وذلك بعد أن يتحلق حول الكدرة جماعة من الشباب الذكور، فيبدأ الإيقاع على القدر ثم تصفق جماعة من الشباب المتحلقين حوله وفق الإيقاع نفسه. وفي الوقت ذاته يرددون نشيدا على شكل حوار بين فئتين يتعلق موضوعه بالمناسبة، وهي غالبا ما تكون حفلة عرس. وبعد لحظة من الإيقاع المرتفع، وهو شرط ضروري تشترطه الراقصة، تدخل وسط الحلقة فتاة في كامل زينتها متلثمة ثم ترقص متقنعة بملحفتها، حيث يتصاعد رقصها شيئا فشيئا حتى يدخل البطل ليكشف عنها القناع ويتعرف على محاسنها ويعلق عليها خنجرا دلالة على حمايتها، وعلى أنه اختارها زوجة المستقبل. وإذ ذاك ينسحب فيتغير الإيقاع ويشتد أكثر من السابق ويكون موضوع النشيد حول الراقصة مثل «وهاه من دار الكلادة لبيتيل ولا عيادة» و «يمباركة ورغببة دلي لكرون علي»، «يا عريش لبنان خلي داك الزين يبان»، وتبقى الرقصة في الاستمرار حتى تقرب نهايتها، فيتغير الإيقاع للاستراحة قبل استئناف الرقصة من جديد مع فتاة أخرى.gedra
ولقد ارتبطت الكدرة في منطقة وادي نون، باسم الفنانة «لبشارة بنت حمودي بن محمود». وهي من أقطاب الغناء والرقص الحساني، وهي فنانة داع صيتها على الصعيد الوطني والعالمي. تربت وازدادت بمنطقة وادي نون، وقد أحبت كثيرا الفنون المرتبطة بالتراث الحساني منذ نعومة أظافرها. بحيث كانت لها مكانة هامة في الحياة الفنية الصحراوية دشنتها منذ أواخر الأربعينات وبداية الخمسينات، فساهمت مساهمة فعالة في الحفاظ على نمط مهم من تراثه الزاخر والمتمثل خصوصا في رقصة الكدرة، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك إذ ارتقت بهذا النمط الفني لتساهم بالتعريف به إقليميا ووطنيا، خصوصا بالساحة الحمراء بموسكو وباريس وكندا وإسبانيا...
رقصة الهرمة
يوجد في إحدى مناطق الإقليم لون آخر من الفلكلور يعرف بالهرمة. وهي رقصة أصيلة من أصالة قبائل وادي نون. تقابلها رقصة أحواش عند باقي القبائل المجاورة.
ورقصة الهرمة عبارة عن صف من الشيوخ يتخلله بعض الشباب، ويتوسط الصف شيخ مسن له خبرة في اللغة، أي بالكلمات والمقاطع الشعرية والأمثال العربية المشهورة.
تبدأ رقصة الهرمة بافتتاح الشيخ برفع صوته بكلمات عربية فصيحة مجملة ومركزة لمثل أو لواقعة تاريخية أوصفة حميدة أو غزل.. فيرددها المشاركون بالتوالي وهم منقسمون في صفهم إلى ميمنة وميسرة. وكلما حمت الرقصة إلا وبدأت الحركات الرشيقة وركزت الأرجل المنتظمة وينتج عن ذلك إيقاع موسيقي تتحرك له مشاعر المتفرجين.
تختتم الرقصة بتصعيد الصوت فيها وتشديد «ركزات» الأرجل، وأثناء ذلك يتقدم بعض من له الخبرة أكثر، ويرقص مع فتاة أمام الصف بالذهاب والإياب من رأس الصف إلى آخره، ومن آخره إلى أوله وهكذا تتم في حركات منتظمة وألحان شعرية غزلية جياشة.
هذه الرقصة متداولة في قبيلة (آيت احماد) في جميع قراها، و كذا في قبيلة آيت بوعشرة وآيت زكري. وقد جاءوا بها من عند قبائل الشرق طاطا وزاكورة. إلا أن هذه الرقصة لم تعد تتداول إلا نادرا وقد لحقها ما لحق( بكنكة) من نسيان.
لقد حاول الصحراويون تكسير قسوة الصحراء بملء أوقاتهم بأشياء كثيرة، تلعب الفنون الشعبية الدور الأساسي فيها. لأنه كان أكثر التصاقا بتجارب الناس اليومية وأكثر تعبيرا عن دواخلهم وأحاسيسهم، إلا أن السؤال يبقى مطروحا حول أصل ظاهرة «الكدرة»، التي أصبحت من المسلمات في المجتمع الحساني، كما هو الشأن بالنسبة للألعاب الشعبية في المجتمع الصحراوي التي تلفت الانتباه. بحيث يغلب عليها الطابع الهزلي والمرح، فيختلط فيها الجد بالمزاح فلا نكاد نجد أي ظاهرة اجتماعية إلا وخضعت إلى نوع من الضحك والمرح ولعل هذا يرجع لكون طبيعة الحياة في الصحراء قاسية وصعبة. تجعل الإنسان الصحراوي ينتهز فرصة اللعب لكي يروح عن نفسه وينسى متاعب يومه ولو لساعات قليلة، يتمتع فيها بجو من اللهو والمرح مع الأصدقاء والأقارب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق